عاجل
الثلاثاء 13 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
هجمة مرتدة (2 – 2) من النيل للقدس .. حاول أن تفهم!

هجمة مرتدة (2 – 2) من النيل للقدس .. حاول أن تفهم!

عقد انهيار المفاهيم والثوابت بعد ضياع الدولة الوطنية فى العالم العربى



تعديل طفيف.. فرضه تطوُّر خطير.. كان ولا يزال هذا المقال استكمالاً للمقال السابق، الذي يشرح الأبعاد السياسية لأحد أهم الأعمال الدرامية التي تم تقديمها فى الموسم الرمضانى هذا العام، وهو مسلسل (هجمة مرتدة).. كان القرار أن يكون الحديث عن ما جرى على أرض مصر والعرب خلال العَقد الماضى، ولكن جاءت تطورات المشهد بالنسبة لسد الأزمة الإثيوبى ومعها جريمة إنسانية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى تجاه أهلنا الفلسطينيين فى حى الشيخ جراح ليفرض الحديث نفسَه عمّا يجرى الآن..

 

وأن ما نراه اليوم هو نتيجة مباشرة لخَلل إقليمى مرعب طال الإقليم وضربه فى عُمق ثوابته وغيَّر أدبياته.. لتكتشف أن الأمر برمته حلقات متصلة ما حدث ويحدث وسيحدث.. وأن ما جرى فى مياه دجلة والفرات وبحيرة طبرية ليس بعيدًا عن تهديد الأمن المائى لمصر والسودان، وهو المعنى الذي أوجزه الرئيس بمقولة (العَفِى ماحدش ياخد لقمته).. عندما تناول فى إحدى جلسات (اسأل الرئيس) ما تعرضت له الحقوق المائية للعراق بعد انهياره.

وأن ما يجرى فى القدس وحى الشيخ جراح هو محصلة معطيات تستحق أن نقف أمامها وأن نوجّه إنذارًا لناقوس خطر يهدد هوية الأجيال العربية الراهنة والقادمة والتي انفضّت من حول قضيتها المركزية بعد نجاح إسرائيل وحلفائها من تيارات الإسلام السياسى فى تسميم الرأى العام العربى تجاه القضية الفلسطينية على مدار أكثر من 10 سنوات ليفقد الحق الفلسطينى الزخم الشعبى الذي صاحَب القضية منذ عام 1948 حتى عام 2011 ليصبح موقف الحكومات العربية متمسكًا بالثوابت فيما تراجعت أولوية هذه الثوابت شعبيّا فى عالمنا العربى الذي عانى الكثير فى السنوات الماضية.

 

 2011.. من هنا كانت الكارثة 

لا يعنينى إلا الحقيقة.. لسنا فى مباراة تحمل فائزًا أو خاسرًا.. إمّا أن نفوز جميعًا أو نُهزَم جميعًا.. أقول هذه الكلمات لبنى وطني المختلفين معى قبل مَن تتشابه وجهة نظرى مع قناعتهم.. لن نعيش فى الماضى ولكن علينا أن نقيّمه ونستفيد من دروسه.

أتفهم غصة شَعَر بها البعض تجاه الحقائق التي عرضها مسلسل (هجمة مرتدة) وأن العمل قام بتشويه 25 يناير.. هذه نظرة سطحية.. وأفُق ضَيّق.

ياسيدى.. المخطط كان أكبر من إدراكك.. المخطط كان إقليميّا ودوليّا بتغيير تركيبة إقليم ودوله الرئيسية وبلدك فى القلب من لوحة تنشين الدمار.. هذا ما جرى وعليك أن تدركه الآن لتفهم أولاً.. لا أحد يتهمك بحُبّك لوطنك وأن دافعك كان التغيير ولكن لكى تعرف أن الهدم سهل وستجد مليون يد تساعدك عليه.. ولكن بات الآن أن تؤمن بأن البناء شاق وثمَنَه دماء وتضحيات وضغوط ولن يعاونك أحد إلا سواعدك ولن يكون بجوارك إلا ابن بلدك حتى ولو اختلفت معه.. طالما أن همّكم الوطني واحد وحلمكم الوطني واحد.

وبالتالى 2011 كان ساعة الصفر التي تحركت فيها كل مخططات التدمير للعالم العربى من مشرقه إلى مغربه بلا رحمة أو هوادة.. مخطط استهدف الأرض والعرض والثوابت والتاريخ والحضارة.

 

 استباحة الأمن المائى العربى ليس صدفة!

على مدار شهر لم أكتب عن مياه النيل، اكتفيتُ بالمتابعة، ذلك أن الموقف يستدعى الفهم أولاً واستيعابه ثانيًا وإدراك أبعاده ثالثًا.. بعض السطور المغلفة بحماس يتناسب مع قضية وجود قد يكون أخطر من محاولات مَن يسعى لإلحاق الضرر بك حتى وإن كان دافعك الصالح العام.. كوارث الرأى محفوفة بالنوايا الطيّبة.. فهى جهنم الوعى على الأرض.

ولكن.. قناعتى، وهو ما أكتبها اليوم، أنه على الرغم من تأزُّم المَشهد على النحو الذي تبوح به الأخبار؛ فإننى أشعر باطمئنان رُغم جدّية اللحظة.

أشعر باطمئنان لأن مياه النيل فى عُهدة القيادة السياسية الوطنية والدولة الوطنية المصرية ومؤسّساتها، وهى مَن تقرر الخطوة المناسبة التي تحفظ بها الحقوق المصرية؛ لأن قضيتنا عادلة.. الدولة المصرية دولة سيادة وكبرياء وكرامة وتحسب خطواتها جيدًا وعدسة الرؤية لديها تتجاوز عدسة الرؤية لدينا؛ وبالتالى لا مكان لتقديرنا للموقف ولكن فقط ندعم ما تتخذه دولتنا من خطوات مستقبلية فى هذا الملف، ونصطف خلف قيادتنا السياسية ممثلة فى الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، الذي تحمَّل ويتحمَّل مهمة إنقاذ بلد بحجم وقوة وتاريخ مصر.. مصر بكل ما تمثله هذه الكلمة من معنى مقدس.

ولكن عليك الآن أن تدرك أنه لولا ما جرى فى يناير 2011 ما كان لهذا السّد أن يشهد بناء ولو طوبة واحدة، وأن البناء جاء عندما شَعَر البعض باهتزاز وضع وموقف الدولة المصرية ومؤسّساتها بسبب تفجُّر الوضع الداخلى.

وهذا الحديث ليس للتأنيب أو المحاسبة ولكن للتوثيق.. وعليك أن تدرك ما جرى للأمن المائى العربى فى السنوات الماضية.. استباح الاحتلال الإسرائيلى بحيرة طبرية السورية.. واستباحت تركيا مياه العراق.. وكل مَن يقرأ السيناريوهات المستقبلية التي كانت تصدرها مراكز الأبحاث الغربية فى بدايات الألفية أن الصراع العالمى سيدور حول ملفين وهما المياه والطاقة، وأضِف إليهما بُعدًا جديدًا وهو الصراع على الممرات الملاحية والموانئ كجزء من الصراع «الأمريكى- الصينى».. وبالتالى عليك أن تتفهّم أن ما جرى على أرض مصر كان فى بؤرة تفكير مَن أراد إسقاط مصر أمران وهما (ثروة مصر فى غاز شرق المتوسط - مياه النيل)، ومثلما حفظت مصر ثروتها فى البحر لا يختلج نفسى لحظة شك بقدرة مصر على حفظ حقها فى الحياة.

 

القدس عربية.. كيف خرج من بيننا مَن لا يهتم؟ 

10 سنوات مرّت على ما سُمى كذبًا بثورات الربيع العربى.. لم يرفع ميدان فى عاصمة عربية عَلم فلسطين بعد سنوات طويلة من متاجرة التيارات الإسلامية بالقضية الفلسطينية.. التيارات الإسلامية التي قفزت على أحلام الشباب العربى وثوراتهم.

تُرى هل كانت صدفة؟ استبعدها.. والسياق السياسى يستبعدها.. والنتيجة أن الإخوان وتنظيمهم الدولى كان فى خدمة الاحتلال عندما أخرج القضية من كونها قضية حق عربى لها ثوابت قانونية دولية إلى مجرد أداة إخوانية.. وزاد من المأساة أن المنتمين إلى هذه التيارات فى الداخل الفلسطينى وقدّموا أنفسهم تحت اسم المقاومة كان أول مَن وجّهوا السلاح إليه للداخل الفلسطينى، وكذلك لصدور المصريين، وهى الذكرى الحاضرة دائمًا الآن عند السّواد الأعظم من أهلنا وتلاحظها عند تناوُل الشأن الفلسطينى من تعليقات السوشيال ميديا.. نجحت إسرائيل فى تحويل النظرة وجعل الحق العربى وجُرم الإخوان وأتباعهم فى سلة واحدة لدى الشارع المصري وجعلت الحق العربى وعربدة إيران الإقليمية وأذرعها فى سلة واحدة لدى الشارع الخليجى لينفض اهتمام الشارع العربى من القضية المركزية.. أضف إلى ذلك تبدُّل التوازنات الاستراتيجية فى المنطقة، والتي استدعت حدوث تفاهمات غير مسبوقة بين بعض الدول العربية وإسرائيل وكل دولة من حقها أن تحدد مصالحها وفق محددات أمنها القومى.. أمّا الأخطر فهو التفاعل الشعبى من خلال السوشيال ميديا من خلال الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية لكسر الحاجز النفسى مع الشعوب العربية.. حتى ولو كان أغلب التعليقات توصَف بالسُّباب أو حتى السُّخرية.. إلا أن النتيجة النهائية أن التواصل قد حدث.. والتفاعل قد تم.

خذ هذا المشهد بأبعاده وتفاصيله وطبِّقه على الجريمة التي يرتكبها الاحتلال فى حى الشيخ جراح.. تفاعُل الإعلام العالمى سبق الإعلام العربى؛ لأن القضية نفسها تراجعت من الأولويات العربية خبريّا على حساب تفاعلات أخرى فى إقليم ما يتبقى فيه من دول وفق التعريف القانونى للدولة يعد على أصابع اليد الواحدة.

ولكن.. كعادتها مصر دائمًا وأبدًا جاءت مواقفها الرسمية والدبلوماسية تعكس ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، وهى ثوابت راسخة لا يبدلها الزمن، وهى التمسك بالمقررات الدولية ووضع الأمور فى نصابها وتسمية الأشياء بمسمياتها.

ولم يتوقف الأمر على الموقف الرسمي كذلك جاء صوت نواب الشعب المصري واضحًا ومنحازًا للحق الفلسطينى، وتبعه موقف ليس غريبًا على نقابة الصحفيين المصريين (ضمير الأمة) والذي حيَّا صمود الشعب الفلسطينى فى وجه الاحتلال، مؤكدًا على قرارات الجمعية العمومية السابقة برفض كل أشكال التطبيع إلى أن يعود الحق لأصحابه.

إذا كان العمل الدرامى تناول قدرًا من الحقائق لقضية تفاعلاتها تجرى الآن.. إلّا أن المشهد يجعلنا نقول إن الهجمة المرتدة مستمرة.. وإن الثوابت القومية باتت بحاجة إلى هجمة مرتدة بعد ما جرى لها من خَلل أحدثته جريمة الربيع العربى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز